الفصل الأول : التربية على القيم
المبحث الأول: تحديد المفاهيم المطلب الأول: مفهوم التربية على القيم
مفهوم التربية
لغة: في اللغة العربية كلمة التربية مشتقة من كلمة “ربا“، جاء في لسان العرب: ربا الشيء يربو ربوا ورباء: زاد ونما، وأربيته: نميته1، وفي المعجم الوسيط: ” رباه“: أي نماه وفلانا غداه ونشأه ونمى قواه الجسدية والعقلية والخلقية وتربى: تنشأ وتغذى وتثقف2.
وفي اللغة اللاتينية نجد كلمة Educare، وهي تعني القيادة والتوجيه ومنها اشتقت كلمة Education وكلمات أخرى في اللغات الأوربية.
اصطلاحا:
لقد اختلف الكثير من العلماء والمفكرين في تعريف النربية تعريفا موحدا جامعا وذلك راجع إلى اختلاف نظرة كل واحد منهم للغرض من التربية واختلاف مجاله العلمي، فيعرفها البيضاوي عند تفسيره لسورة الفاتحة بأنها “تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا “3
ويعرفها بعضهم بأنها “عملية قصدية متدرجة بخطوات ومراحل متدرجة ومراحل متتابعة محددة الأهداف والمحتوى والأساليب والوسائل والعمليات والفعاليات التي يقوم عليها أفراد مؤهلين متخصصون، للنهوض بالفرد المربى وصولا إلى أقصى درجات الكمال الإنساني الممكنة بتنمية قدراته وإمكاناته ومواهبه وملكاته واستعداداته المختلفة” وقال بعضهم ” التربية محاولة يقوم بها الافراد المختلفون في المجتمع للتأثير على نمو الصغار، وذلك باختيار الخبرات التي تنمو بها القيم المطلوبة للفرد وتنظيم هذه الخبرات لتنشئة شخصية“4
ويرى “جوهان هربرتHerbartJohann” أن التربية هو: “علم يهدف إلى تكوين الفرد من أجل ذاته، وبأن توقظ فيه ميوله الكثيرة” أمّا “دورکیم “Durkheim فيرى انها “العمل الذي تقوم به الاجيال الناضجة نحو الأجيال التي لم تنضج ولم تهيأبعد للانخراط في سلك الحياة الاجتماعية، وهي تهدف إلى أن تثير وتنمي لدى الطفل حالات جسمية وعقلية وذهنية يتطلبها منه مجتمعه” ويضيف أفلاطون أن التربية هي “إعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال وما يمكن من الكمال“
وتعني التربية أيضا “مصاحبة الكائن البشري في نموه وتطوره سواء في سياقاته الأسرية أو في إطار بنيات سيرورات التربية المدرسية “
وعموما فإن معظم معاني التربية تشير إلى التوجيه الشامل والكامل لجوانب نمو الإنسان بالتكوين المنتظم والتدريب الفكري والأخلاقي سواء في المدارس أو المؤسسات أو المنظمات التي تتولى عملية التربية. وكما يقول الدكتور عبد الرحمن النحلاوي: “بالرجوع إلى الأصول اللغوية والاصطلاحية للتربية يمكننا ان نستخلص عدة معان تتبلور في الآتي: “المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها وتنمية مواهبه واستعداداته كلها وتوجيهها نحو صلاحها وكمالها اللائق بها“5
مفهوم القيم
في اللغة:
قيمة valeurالشيء في اللغة العربية قدره6، يقال قيمة المرء ما يحسنه وما لفلان قيمة ، ما له ثبات ودوام على الأمر ،ترادف القيمة الثمن، ومن الناحية الذاتية تفيد القيمة الصفة التي تجعل الشيء مطلوبا ومرغوبا فيه.
وجاء في لسان العرب: “القيمة” واحدة القيم، وأصله الواو لأنه يقوم مقام الشيء. والقيمة: ثمن الشيء بالتقويم. تقول: تقاوموه فيما بينهم7.
وفي القاموس المحيط 8: وردت القيم بكسر القاف أنها واحدة القيم، وماله قيمة اذا لم يدم على شيء، وقومت السلعة، واستقمت، واستقام اعتدل وقومته عدلته.
وقيل أقمت الشيء وقومته فقام بمعنى استقام9، والاستقامة اعتدال الشيء واستواؤه، وتعني القيم المكانة الرفيعة والمنزلة العالية كما جاء في محكم التنزيل{فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}10اي ذات قيمة عالية.
وفي الاصطلاح:
لقد تباينت التعريفات الدالة على مصطلح “القيم” حسب اختلاف الباحثين والمفكرين في انتماءاتهم العلمية المختلفة فعلماء التربية مثلا يركزون “على المبادئ والقواعد والمعايير يتم تحديد الاهداف التربوية من خلالها“، وعند علماء الاقتصاد هي “اتصاف الشيء بالحاجات، فكلما كانت الحاجة إليه أشد، كانت قيمته أعظم“.
وفي مجال علم النفس الاجتماعي تعرف بأنها: “معيار اجتماعي ذو صفة انفعالية قوية تتصل بالمستويات الخلقية التي تقدمها الجماعة ويمتصها الفرد من بيئته الاجتماعية والخارجية ويقيم منها موازين يبرر بها أفعاله ويتخذها هاديا ومرشدا“11
كما أنها تعتبر “المثل التي توجه سلوك الناس وتنظمه، وتختلف مرجعاتها باختلاف الأمم وتباين ثقافتها، ومعتقداتها الدينية، وتطور مقوماتها الحضارية، ويمكن القول أن القيم مبادئ سليمة، وفضائل معنوية حسنة، تحض عليها الأديان والفلسفات الرشيدة التي توجه سلوك الإنسان وترفعه وتحقق الاطمئنان له وللجماعة “12
وتعرف أيضا بأنها “مجموعة من القوانين والأهداف والمثل العليا التي توجه الإنسان سواء في علاقته بالعالم المادي أو الاجتماعي أو السماوي “13
وأما مفهومها في الفكر التربوي الإسلامي فهي ” مجموعة من المعايير والأحكام النابعة من تصورات أساسية عن الكون والحياة والإنسان والإله كما صورها الإسلام وتتكون لدى الفرد والمجتمع من خلال التفاعل مع المواقف والخبرات الحياتية المختلفة بحيث تمكنه من اختيار اهداف وتوجهات لحياته تتفق مع إمكاناته وتتجسد من خلال الاهتمامات أو السلوك العملي بطريقة مباشرة وغير مباشرة “14
فيمكن القول أن القيم الإسلامية هي كل المعايير الخلقية المقتبسة من التعاليم الإسلامية والصفات الإنسانية الإيجابية الراقية المضبوطة بضوابط الشريعة الإسلامية والتي يتمثلها الفرد والمجتمع في الحياة، للوصول إلى درجة متميزة في شخصيته وعلاقاته مع غيره، فهي “بمثابة المرتكزات التي تقوم عليها الحياة كما حددها الشرع الحكيم في علاقة الإنسان بنفسه ومحيطه وخالقه، فهي قيم انسانية من حيث كونها مطلقة وإسلامية من حيث كونها موجهة بالتشريع الإسلامي الضامن لوجودها واستمرارها في كيان النشئ“15 ، قال تعالى {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}16 ، وقال عليه الصلاة والسلام “ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه “17، فالملاحظ أن القيم مفهومها الإسلامي شامل لكل مجالات الحياة المادية والمعنوية بدءا بالعلاقة مع الخالق سبحانه وتعالى، ومع النفس، ومع المحيط بما فيه من إنسان وحيوان ونبات ومصدرها هو الشرع الحكيم والعقل السليم.
ومن هنا يمكن القول أن التربية على القيم هي “عملية تنشئة الاجيال على أسس ومرتكزات تؤدي بهم إلى الاتصاف بالقيم والمثل الإيجابية سواء كانت دينية أو أخلاقية أو اجتماعية أو اقتصادية وغيرها من القيم المحمودة مما يودي إلى التعايش السلمي والمساواة والعدل والسلم واحترام الاختلاف والتعايش مع الآخر وحب كل ما هو إيجابي في الحياة.
فالتربية على القيم، هي حصيلة مجموعة من الجهود التي تقوم بها مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية، التعليمية وغير التعليمية وهي عملية مستمرة بحيث ينبغي العمل بشكل دائم على تكوين الفرد وتنمية وعيه بنظام حقوقه وواجباته، وترسيخ سلوكه وتطوير مستوى مشاركته في دينامية المجتمع الذي ينتمي إليه.
هوامش
1لسان العرب ج 14 ص304 .
2المعجم الوسيط ج 1 ص 326.
3انوار التنزيل وأسرار التأويل ج 1 ص 28.
4دراسات تربوية – العدد الثالث – “أصول التربية في القرآن الكريم ” د. محمد علي علوان ص 95.
5أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع ج 1 ص 17
6 سلسلة المعارف البيداغوجية –الامتحانات المهنية– الحسن اللحية ص 281، عن المعجم الفلسفي لجميل صليبا ج2 ص 212.
7لسان العرب ج 12 ص 500
8القاموس المحيط ج 1 ص 1152.
9 لسان العرب ج 12 ص 498.
10 سورة البينة الآية : 3
11 فؤاد البيهي ، علم النفس الإجتماعي ص 294.، ص 294.
12 وزارة التربية الوطنية – مسوغة التربية على القيم –ص 15/ 16.
13 الرائد في اللغة – لجبران مسعود ، ص 480
14 القيم الإسلامية في التعليم وأثرها في المجتمع ، ج 9 ص 336.
15“القيم الإسلامية في المناهج الدراسية” د.خالد الصمدي ، ص 4.
16سورة الروم ، الآية : 30.
17صحيح مسلم ، باب ” معنى كل مولود يولد على الفطرة ” ،ج 4 ص 2047.